فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{ادع} أي مَنْ بُعثتَ إليهم من الأمة قاطبةً فحذف المفعولُ للتعميم أو افعل الدعوةَ كما في قولهم: يعطي ويمنع أي يفعل الإعطاء والمنع، فحذفُه للقصد إلى إيجاد نفسِ الفعل إشعارًا بأن عموم الدعوةِ غنيٌّ عن البيان وإنما المقصودُ الأمرُ بإيجاد على وجه مخصوص {إلى سَبِيلِ رَبّكَ} إلى الإسلام الذي عبّر عنه تارةً بالصراط المستقيم وأخرى بملة إبراهيمَ عليه السلام، وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئةِ عن المالكية وتبليغِ الشيء إلى كماله اللائق شيئًا فشيئًا مع إضافة الربِّ إلى ضمير النبي عليه الصلاة والسلام في مقام الأمر بدعوة الأمة على الوجه الحكيم وتكميلِهم بأحكام الشريعةِ الشريفة من الدِلالة على إظهار اللطفِ به عليه الصلاة والسلام والإيماء إلى وجه بناء الحُكم ما لا يخفى. {بالحكمة} أي بالمقالة المحكمةِ الصحيحة وهو الدليلُ الموضحُ للحق المزيحُ للشبهة {والموعظة الحسنة} أي الخطابياتِ المقنعةِ والعِبر النافعةِ على وجه لا يخفى عليهم أنك تناصحهم وتقصِد ما ينفعهم، فالأولى لدعوة خواصِّ الأمةِ الطالبين للحقائق والثانيةُ لدعوة عوامِّهم، ويجوز أن يكون المرادُ بهما القرآنَ المجيد فإنه جامعٌ لكلا الوصفين {وجادلهم} أي ناظِرْ معانديهم {بالتى هي أَحْسَنُ} بالطريقة التي هي أحسنُ طرقِ المناظرةِ والمجادلة من الرفق واللينِ واختيار الوجهِ الأيسرِ واستعمالِ المقدّمات المشهورةِ تسكينًا لشغَبهم وإطفاء لِلَهبهم كما فعله الخليلُ عليه السلام {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} الذي أمرك بدعوة الخلقِ إليه وأعرضَ عن قَبول الحق بعد ما عاين من الحِكم والمواعظ والعبر {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} إليه بذلك، وهو تعليلٌ لما ذُكر من الأمرين والمعنى والله تعالى أعلم اسلُكْ في الدعوة والمناظرةِ الطريقةَ المذكورةَ فإنه تعالى هو أعلمُ بحال من لا يرعوي عن الضلال بموجب استعدادِه المكتسَب وبحال من يصير أمرُه إلى الاهتداء لما فيه من خير جليَ، فما شرعه لك في الدعوة هو الذي تقتضيه الحكمةُ فإنه كافٍ في هداية المهتدين وإزالةِ عذر الضالّين أو ما عليك إلا ما ذكر من الدعوة والمجادلةِ بالأحسن، وأما حصولُ الهداية أو الضلال والمجازاةُ عليهما فإلى الله سبحانه إذ هو أعلم بمن يبقى على الضلال وبمن يهتدي إليه فيجازي كلًا منهما بما يستحقة، وتقديمُ الضالين لما أن مساقَ الكلامِ لهم، وإيرادُ الضلال بصيغة الفعلِ الدالِّ على الحدوث لما أنه تغييرٌ لفطرة الله التي فطر الناسَ عليها وإعراضٌ عن الدعوة وذلك أمرٌ عارضٌ بخلاف الاهتداء الذي هو عبارةٌ عن الثبات على الفطرة والجرَيانِ على موجب الدعوةِ، ولذلك جيء به على صيغة الاسمِ المنبىءِ عن الثبات، وتكريرُ {هو أعلمُ} للتأكيد والإشعارِ بتبايُنِ حالِ المعلومَين ومآلهما من العقاب والثواب.
وبعد ما أمره عليه الصلاة والسلام فيما يختص به من شأن الدعوةِ بما أمره به من الوجه اللائق عقّبه بخطاب شاملٍ له ولمن شايعه فيما يعم الكل فقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} أي إن أردتم المعاقبةَ على طريقة قول الطبيبِ للمَحْميِّ: إن أكلتَ فكلْ قليلًا {فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} أي بمثل ما فُعل بكم، وقد عبّر عنه بالعقاب على طريقة إطلاقِ اسمِ المسبَّبِ على السبب نحوُ كما تَدين تُدان أو على نهج المشاكلةِ، والمقصودُ إيجابُ مراعاةِ العدل مع مَنْ يناصبُهم من غير تجاوزٍ حين ما آل الجِدالُ إلى القتال وأدّى النزاعُ إلى القِراع، فإن الدعوةَ المأمورَ بها لا تكاد تنفك عن ذلك، كيف لا وهي موجبةٌ لصرف الوجوهِ عن القُبل المعبودةِ وإدخالِ الأعناق في قِلادة غيرِ معهودة قاضيةٍ عليهم بفساد ما يأتون وما يذرون وبطلانِ دينٍ استمرَّ عليه آباؤهم الأولون وقد ضاقت عليهم الحيلُ وعيّت بهم العِللُ وسُدّت عليهم طرقُ المُحاجّة والمناظرة وأُرتجتْ دونهم أبوابُ المباحثةِ والمحاورة، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزةَ رضي الله عنه يوم أُحد قد مُثّل به قال: «لئن أظفَرني الله بهم لأمثّلنّ بسبعين مكانك» فنزلت، فكفّر عن يمينه وكف عما أراده، وقرئ {وإن عَقّبتم فعقِّبوا} أي وإن قَفَّيْتم بالانتصار فقفّوا بمثل ما فُعل بكم غيرَ متجاوزين عنه، والأمرُ وإن دل على إباحة المماثلة في المُثْلة من غير تجاوزٍ لكن في تقييده بقوله: {وإن عاقبتم} حثٌّ على العفو تعريضًا، وقد صرّح به على الوجه الآكد فقيل: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} أي عن المعاقبة بالمثل {لَهُوَ} أي لَصَبرُكم ذلك {خَيْرٌ} لكم من الانتصار بالمعاقبة، وإنما قيل: {للصابرين} مدحًا لهم وثناء عليهم بالصبر أو وصفًا لهم بصفة تحصل لهم عند تركِ المعاقبةِ، ويجوز عَودُ الضميرِ إلى مطلق الصبرِ المدلولِ عليه بالفعل فيدخُل فيه صبرُهم كدخول أنفسِهم في جنس الصابرين دخولًا أوليًا، ثم أُمر عليه الصلاة والسلام صريحًا بما ندَب إليه غيرَه تعريضًا من الصبر لأنه أولى الناس بعزائم الأمورِ لزيادة علمِه بشؤونه سبحانه ووفورِ وثوقِه به فقيل: {واصبر} أي على ما أصابك من جهتهم من فنون الآلامِ والأَذية وعاينتَ من إعراضهم عن الحق بالكلية {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} استثناء مفرَّغٌ من أعم الأشياء، أي وما صبرُك ملابسًا ومصحوبًا بشيء من الأشياء إلا بالله أي بذكره والاستغراقِ في مراقبة شؤونه والتبتّلِ إليه بمجامع الهِمّة، وفيه من تسليته عليه الصلاة والسلام وتهوينِ مشاقِّ الصبرِ عليه وتشريفِه ما لا مزيدَ عليه. أو إلا بمشيئته المبنيّةِ على حِكَمٍ بالغة مستتبِعةٍ لعواقبَ حميدةٍ، فالتسليةُ من حيث اشتمالُه على غايات جميلة، وقيل: إلا بتوفيقه ومعونتِه فهي من حيث تسهيلُه وتيسيرُه فقط {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي على الكافرين بوقوع اليأسِ من إيمانهم بك ومتابعتِهم لك نحو: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين} وقيل: على المؤمنين وما فُعل بهم والأولُ هو الأنسب بجزالة النظمِ الكريم {وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ} بالفتح، وقرئ بالكسر وهما لغتان كالقَوْل والقيل، أي لا تكن في ضيق صدرٍ وحرَج، ويجوز أن يكون الأولُ تخفيفَ ضيِّق، كهيْن من هيِّن، أي في أمر ضيِّقٍ {مّمَّا يَمْكُرُونَ} أي من مكرهم بك فيما يُستقبل، فالأولُ نهيٌ عن التألم بمطلوبٍ مِنْ قبلَهم فاتَ، والثاني عن التألم بمحذور من جهتهم آتٍ، والنهيُ عنهما مع أن انتفاءهما من لوازم الصبرِ المأمورِ به لاسيما على الوجه الأولِ لزيادة التأكيدِ وإظهارِ كمالِ العنايةِ بشأن التسليةِ، وإلا فهل يخطُر ببال من توجّه إلى الله سبحانه بشراشرِ نفسِه متنزهًا عن كل ما سواه من الشواغل شيءٌ من مطلوب فينهى عن الحزن بفواته أو محذورٍ فكيف عن الخوف من وقوعه.
{إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا}.
تعليلٌ بما سبق من الأمر والنهي، والمرادُ بالمعية الولايةُ الدائمةُ التي لا تحوم حول صاحبها شائبةُ شيءٍ من الجزَع والحزنِ وضِيق الصدورِ، وما يُشعر به دخولُ كلمة مع من متبوعيّة المتقين إنما هي من حيث إنهم المباشرون للتقوى وكذا الحالُ في قوله سبحانه: {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} ونظائرِهما كافة، والمرادُ بالتقوى المرتبةُ الثالثة منه الجامعة لما تحتها من مرتبة التوقي عن الشرك ومرتبةِ التجنّب عن كل ما يؤثِمُ من فعل وترك، أعني التنزّهَ عن كل ما يشغَلُ سِرَّه عن الحق والتبتّلِ إليه بشراشر نفسِه، وهو التقوى الحقيقيُّ المُورِث لولايته تعالى المقرونة ببشارة قوله سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} والمعنى أن الله وليُّ الذين تبتلوا إليه بالكلية وتنزّهوا عن كل ما يشغل سرَّهم عنه فلم يخطُرْ ببالهم شيءٌ من مطلوب أو محذور فضلًا عن الحزن بفواته أو الخوفِ من وقوعه وهو المعنيُّ بما به الصبرُ المأمورُ به حسبما أشير إليه وبه يحصل التقريب ويتم التعليل كما في قوله تعالى: {فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ} على أحد التفسيرين كما حُقق في مقامه وإلا فمجردُ التوقي عن المعاصي لا يكون مدارًا لشيء من العزائم المرخصِ في تركها فكيف بالصبر المشارِ إليه ورديفيه، وإنما مدارُه المعنى المذكورُ فكأنه قيل: إن الله مع الذين صبروا، وإنما أوثر ما عليه النظمُ الكريم مبالغةً في الحث على الصبر بالتنبيه على أنه من خصائص أجل النعوتِ الجليلة وروادفِه كما أن قوله تعالى: {والذين هُم مُّحْسِنُونَ} للإشعار بأنه من باب الإحسانِ الذي يتنافس فيه المتنافسون على ما فُصل ذلك حيث قيل: {واصبر فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} وقد نُبّه على أن كلًا من الصبر والتقوى من قبيل الإحسان في قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} وحقيقةُ الإحسان الإتيانُ بالأعمال على الوجه اللائقِ الذي هو حسنُها الوصفيُّ المستلزِمُ لحسنها الذاتيِّ، وقد فسّره عليه الصلاة والسلام بقوله: «أن تعبدَ الله كأنك تراه فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك» وتكريرُ الموصولِ للإيذان بكفاية كلَ من الصلتين في ولايته سبحانه من غير أن تكون إحداهما تتمةً للأخرى، وإيرادُ الأولى فعليةٌ للدِلالة على الحدوث كما أن إيرادَ الثانيةِ اسميةٌ لإفادة كونِ مضمونِها شيمةً راسخةً لهم، وتقديمُ التقوى على الإحسان لما أن التخليةَ متقدمة على التحلية، والمرادُ بالموصولَين إما جنسُ المتقين والمحسنين وهو عليه الصلاة والسلام داخلٌ في زمرتهم دخولًا أوليًا، وإما هو عليه الصلاة والسلام ومن شايعه، عبّر عنهم بذلك مدحًا لهم وثناء عليهم بالنعتين الجميلين، وفيه رمزٌ إلى أن صنيعَه عليه الصلاة والسلام مستتبِعٌ لاهتداء الأمةِ به كقول من قال لابن عباس رضي الله عنهما عند التعزية:
اصبِرْ نكنْ بك صابرين فإنما ** صبرُ الرعية عند صبرِ الرأسِ

عن هرم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضارِ: أوصِ، قال: إنما الوصيةُ من المال وأوصيكم بخواتيم سورة النحل. اهـ.

.قال الألوسي:

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
{ادع} أي من بعثت إليهم من الأمة قاطبة فحذف المفعول دلالة على التعميم، وجوز أن يكون المراد إفعل الدعوة تنزيلًا له منزلة اللازم للقصد إلى إيجاد نفس الفعل إشعارًا بأن عموم الدعوة غني عن البيان وإنما المقصود الأمر بإيجادها على وجه مخصوص.
وتعقب بأن ذلك لا يناسب المقام كما لا يناسب قوله تعالى: {وجادلهم}.
{إلى سَبِيلِ رَبّكَ} إلى الإسلام الذي عبر عنه تارة بالصراط المستقيم وأخرى بملة إبراهيم عليه السلام، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
{بالحكمة} بالمقالة المحكمة وهي الحجة القطعية المزيحة للشبه؛ وقريب من هذا ما في البحر أنها الكلام الصواب الواقع من النفس أجمع موقع {والموعظة الحسنة} وهي الخطابات المنقعة والعبر النافعة التي لا يخفى عليهم إنك تناصحهم بها {وجادلهم} ناظر معانديهم {بالتى هي أَحْسَنُ} بالطريقة التي هي أحسن طرق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الأيسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينًا لشغبهم وإطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السلام.
واستدل كما قيل أرباب المعقول بالآية على أن المعتبر في الدعوة من بين الصناعات الخمس إنما هو البرهان والخطابة والجدل حيث اقتصر في الآية على ما يضير إليها، وإنما تفاوتت طرق دعوته عليه الصلاة والسلام لتفاوت مراتب الناس، فمنهم خواص وهم أصحاب نفوس مشرقة قوية الاستعداد لإدراك المعاني قوية الانجذاب إلى المبادىء العالية مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه وهؤلاء يدعون بالحكمة بالمعنى السابق.
ومنهم عوام أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد شديدة الألف بالمحسوسات قوية التعلق بالرسوم والعادات قاصرة عن درجة البرهان لكن لا عناد عندهم وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالمعنى المتقدم.
ومنهم من يعاند ويجادل بالباطل ليدحض به الحق لما غلب عليه من تقليد الأسلاف ورسخ فيه من العقائد الباطلة فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر بل لابد من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال لتلين عريكته وتزول شكيمته وهؤلاء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بجدالهم بالتي هي أحسن، وإنما لم تعتبر المغالطة والشعر لأن فائدة المغالطة تغليط الخصم والاحتراز عن تغليطه إياه ومرتبة الرسول عليه الصلاة والسلام تنافي أن يغلط وتتعالى أن يغلط، والشعر وإن كان مفيدًا للخواص والعوام فإن الناس في باب الإقدام والإحجام أطوع للتخييل منهم للتصديق إلا أن مداره على الكذب ومن ثمة قيل: الشعر أكذبه أعذبه فلا يليق بالصادق المصدوق كما يشهد به قوله تعالى: {وَمَا علمناه الشعر وَمَا يَنبَغِى لَهُ} [يس: 69]. لا يقال: الشعر الذي هو أحد الصناعات قياس مؤلف من مقدمات مخيلة والشعر الذي مداره على الكذب هو الكلام الموزون المقفى وهو الذي نفى تعليمه عنه صلى الله عليه وسلم لما قيل: كون الشعر مذمومًا ليس لكونه كلامًا موزونًا مقفى بل لاشتماله على تخيلات كاذبة فهما من واد واحد ذكر ذلك بعض المتأخرين، وقد ذهب غير واحد إلى أن فيها إشارة إلى تفاوت مراتب المدعوين إلا أنه خالف في بعض ما تقدم، ففي الكشف بعد أن ذكر أن كلام الزمخشري يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ينبغي أن يجمع في الدعوة بين الثلاث فيكون الكلام في نفسه حسن التأليف منتجًا لما علق به من الغرض ومع ذلك مقصودًا به المناصحة لمن خوطب به ويكون المتكلم حسن الخلق في ذلك معلمًا ناصحًا شفيقًا رفيقًا ما نصه: والأحسن على ما ذهب إليه المحققون أنه تعميم للدعوة حسب مراتب المدعوين في الفهم والاستعداد، فمن دعي بلسان الحكمة ليفاد اليقين العياني أو البرهاني هم السابقون، ومن دعي بالموعظة الحسنة وهي الإقناعات الحكمية لا الخطابات المشهورة طائفة دون هؤلاء، ومن دعي بالمجادلة الحسنة هم عموم أهل الإسلام والكفار أيضًا اه، ولا أرى ما يوجب نفى أن يكون المراد بالموعظة الحسنة الخطابات المشهورة، وكونها مركبة من مقدمات مظنونة أو مقبولة من شخص معتقد فيه ولا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم استعمال الظنيات أو أخذ كلام الغير والدعوة به هو الموجب لذلك لا يخفى ما فيه فتدبر.